2011-11-24

العطاء حياة الحياة ... بقلم : ياسر الششتاوي

العطاء سفينة نوح التي يركب فيها المخلصون لروعتهم ، ليفلتوا من طوفان الأنانية والتشوه الأخلاقي في زمن ٍ يرتدي غياب المعايير والقيم التي يصيح عليها خلاصنا البشريّ .
العطاء هو جوهر الوجود ، وروحه التي تلمع في صميم مكوناته ، فإذا نظرنا للسماء نجدها تمطر ، ولا تطلب أجراً ، والأرض تنبت ،ولا تبغي ثمناً ، والشمس تشرق بألقها المعطاء ، ولا تطلب يوماً للراحة ، أو تعتذر يوماً عن عدم الشروق .
لأجل من يحدث كل هذا ؟ لأجل من يفجر الوجود طاقاته ؟؟ ويتبارى في عطاءاته ؟!
لا تحتاج الإجابة لبعيد نظر ، فكل تلك العطاءات التي يفيض بها الوجود هي من أجل الإنسان ، فهل يتعلم الإنسان العطاء مما حوله من مظاهر الطبيعة ؟؟ إن الإنسان الذي لا يعطي يصبح خارج منظومة الوجود ، وعنصرا شاذاً في مكوناته .
لا شك أن هناك بعض مظاهر العطاء التي ينجبها الإنسان ، تستحق أن ترسو عندها الإشادة ، وأن يتشبث بها السموق .
ها هي الأم تضحي براحتها ، بل قد تضحي بحياتها في سبيل راحة أبنائها ، ولا تبالي بما تلاقي من تعب وسهاد ، بل تستلذ بأن تعطي ، وكأنها خلقت لتدمن العطاء ، مما يدل على أن الإنسان يملك أن يعطي ، وأن يرتفع في مستوى عطاءاته إلى ذرى بعيدة .
وكم من أناس ضحوا في سبيل أفكار ومبادئ وعقائد منحوها اخضرار أرواحهم ، وظلوا على إصرارهم حتى تفتحت أحلامهم ، وعطرت جسد التاريخ ، وما زالت خطاهم قدوة للأجيال القادمة .
إن الإنسان الذي يبخل ، يقتل في نفسه خمائل وحدائق يمكن أن يستظل بها ضميره ، والبخل هنا ليس البخل المادي فقط ، فكما أن للعطاء دروباً كثيرة ، يمكن أن يمشي فيها الذين آمنوا به ـ منها ما هو حسي وما هو معنوي ـ فكذلك البخل له من يعشقون سبيله ، وما أتعسهم ، فلا يربح إلا من يعطي ، وقمة ما يمكن أن يربحه الإنسان هي الجنة ، والنبي صلي الله عليه وسلم يقول ( لا يدخل الجنة بخيل ) وهذا أمر طبيعي فمن لم يعط ِ كيف يطمع في عطاء الله ؟ !!!
وإذا أردنا أن ينتشر العطاء ، ينبغي أن نربي أبناءنا علي مبادئ العطاء والإيثار حتى يتحول العطاء إلى عادة لديهم ، فكما نربي الأبدان ينبغي أن نربي فيهم الإحسان ، وأن نعلمهم أنهم عندما يحسنون إلى غيرهم فإنهم يحسنون إلى أنفسهم ، فالعطاء هو الحقل الذي يزرع فيه المرء نقاءه الإنسانيّ ، فيقطف البهجة والحب ، ويرتقى المجتمع في ذوقه وأخلاقه .
وإذا نظرنا لما نتمتع به من تقدم وازدهار في عصرنا الحالي ، نجد أنه ثمار وعطاءات أجيال سابقة وعصور ماضية ، فإذا كان العطاء الإنساني هرماً فنحن اليوم نقف على قمة هذا الهرم ، ومن يأتون بعدنا سوف يقفون مكاننا ، ويتمتعون بثمار اختراعنا ومنجزاتنا ، كما قد تمتعنا بما أنجزه أسلافنا .
وإذا كان فيلسوف الشك ديكارت يقول : أنا أشك إذن أنا موجود ، فإنني في بردة اليقين أقول : أنا أعطي إذن أنا موجود ، فالعطاء هو حياة الحياة .


بقلم : ياسر الششتاوي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق