النبرة التشاؤمية أصبحت سمة علي لسان الواقع المصري الآن, تنضح به الكلمات,
وتعج به الحوارات, وتزيغ منه العيون الحيرى المترقبة لمستقبل قد يكون أكثر بشاعة
من ماضي سعدنا لوهلة من انقشاع غمته.. ولكن التشاؤم والسوداوية اللذان يعلوا
وجوهنا, قد يكونا هما الوجه الأخر لحقيقة مرة, تطرق باب واقعنا بسماجة وإلحاح,
ورغبة مقيتة متعفنة, ستجبرنا شئنا أم أبينا أن نبدأ مما بعد نقطة الصفر.. حينها
سنصبح مضغة في أفواه الأمم..
الفشل الزريع للثورة, والذي أظنه لاحق بها عن قريب, إن دل علي شيء فإنما
يدل علي غرابة تركيبة الشعب المصري, ليس الآن, ولا منذ قرن أو قرنين من الزمن,
ولكن منذ القدم.. الشعب المصري شعب طيب مسالم عفوي, ولكنه للآسف شعب يغلب عليه الجهل, وأظنه يخلو من مفكرين حقيقيين مثل أولئك
الذين غيروا مجري التاريخ في الكثير من الدول الأوربية, علي الأقل في التاريخ
المعاصر, حتى رجل الدين العالم المفكر علي شاكلة "العز بن عبدالسلام" الذي
حرك جموع المصريين يوما لملاقاة جحافل التتار, وإلحاق هزيمة نكراء بهم في عين
جالوت- صاروا عملة نادرة, فإما يداهنون الحكام, ويتمسحون في كرسي الحكم, وإما
يضعون رؤوسهم تحت التراب كالنعام, إلا من رحم ربي..
الشعب المصري
مارد عملاق, ولكنه لا يخلو من جهل وسذاجة وتخبط, وهو في أمس الحاجة لقائد فذ يقوده
ويوجهه ويستثمر طاقاته, ولكن للآسف فكل شعب ينبت قائده علي شاكلته, وأظنها معادلة
من البساطة بأن ندرك صحتها, وندرك أيضا شاكلة القادة الذين تملكوا زمام الأمور منذ
قيام ثورة 23 يوليو البائسة بداية من جمال وانتهاء بمبارك, جميعهم تجمعهم صفة
ذميمة: الدكتاتورية , وكأن الحكام الديكتاتورين فصلوا خصيصا للشعوب التي يغلب
عليها السذاجة والجهل... إنه الجهل هو لب القضية.. فنسبة مهولة من المصريين إلي
وقتنا هذا لا يجدون القراءة والكتابة, حتى المتعلمين منهم هم في الحقيقة أنصاف
متعلمين, يستقون معلوماتهم من إعلام موجه مبتور, ويرددون ما يسمعون كالببغاوات, بلا
ذرة تفكير..
وليس العيب مطلقا في الشباب الذين فجروا ثورة 25
يناير, ولكن العيب -للمرة المليون- يكمن في الشعب الذي لم يدرك عظم المنة التي
هبطت عليه من السماء, ويكاد الآن يرفسها بقدمه, لأنه لم يقدر قيمتها.. لم يقدر
المعني العميق لشعار الثورة "عيش, حرية, عدالة اجتماعية" وانشغل الكثيرون منه باستغلال الظروف, من تجريف للأراضي الزراعية
والبناء عليها, أو الاستيلاء علي أملاك الغير.. الخ
إن فشلت الثورة
فهذا حقا مؤشر خطير أن الشعب المصري ما زال يحتاج إلي الكثير لينضج نفسيا وفكريا,
وهي مهمة ثقيلة علي أكتاف رجال العلم والدين والفن, أولئك النفر القادرين علي
إعادة تشكيل وجدان المصريين, ومن ثم العبور بهم إلي مصاف الدول المتقدمة, حيث يجب
مصر أن تكون..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق