إن
السياسة هي فن الممكن كما يقولون ،والخروج بها إلى دائرة اللاممكن يخلق الأزمات
التي تؤثرعلى مستقبل الوطن ، ومما يؤدي إلى استفحال التراجع السياسي ،وسقوط الوطن
بين المهاوى التي يصعب الخلاص منها ،اشتعال التناحر السياسي بين القوى الوطنية.
إن
الرغبة في الحصول على العكعكة السياسية كاملة هو الغباء بعينه،لأن الوطن السيلم في
التعدد القويم ، والتعدد القويم يكون في احترام كل فريق للفريق المعارض ، لا أن
يسعى إلى هدمه ، وإزاحته من السلطة إذا وصل لها، وخاصة إذا كان قد وصل لها بطريقة
شرعية ، ولكن في الآن نفسه لا يعقل أن يسيطر فريق واحد على كل مقدرات الوطن مهما
بلغت أغلبية هذا الفريق أو سطوته في الشارع ، لأن رغبة فريق في إقصاء فريق أو
القضاء عليه هو خطر على الفريقين وعلى الوطن كله .
إن
الوطن يجب أن يكون للجميع ، وأن يؤمن أبناؤه بذلك ، وهذه هي الخطوة الأولى في بناء
وطن صحيح ، وأن نشارك بعضنا البعض في استكمال صرح هذا الوطن ، ولا يكون هذا من
خلال الشعارات والكلام الجميل، ولكن من خلال التطبيق الفعلي ، فالمصيبة أن الكلام
السياسي في أغلب الأحوال لا يطابق الفعل ولو في القليل ، إنما هو من قبيل
الاستهلاك الإعلامي ،فما أحوجنا إلى الصدق السياسي !!
إن
اختلاف الآراء في السياسة وفي غيرها أمر طبيعي ، بل هو مصدر من مصادر التنوع
الفكري ، وتلاقح الأفكار ، ولكن هذا الاختلاف والتعبير عنه لا بد أن يكون له وسائل
أخلاقية وشرعية ،ولا يمتد الأمر إلى البلطجة والسباب والشتائم ،أما أن يخرج خط سير
الاختلاف إلى التدمير والتخريب والسب والقذف ، فهذا عين التناحر الذي نشاهد بعض
جوانبه في أحداث تترك بصماتها المحزنه في واقع وطننا .
وأسباب التناحر السياسي ترجع إلى تفاقم الأطماع
السياسية الشخصية أو الحزبية أو الرغبة في الظهور، والقيام بدور المدافع عن الوطن
،لاكتساب أرضية سياسية على حساب الآخرين ،والمعارضة لأجل المعارضة هي دأب من
يدمنون التناحر السياسي ، فهم لا يبحثون عن حلول ، إنما كل همهم أن يضعوا العربة
أمام الحصان ، كي تظل الأزمات موجودة ، لأن في وجود الأزمات يتحصل وجود لهم ، فهم
يعيشون عليها ولها !!
ومما
يؤدي إلى التناحر السياسي أيضاً الإيمان المطلق بأن ما لديك هو الصواب ، وأن ما
عند غيرك هو الباطل، مما يؤدي إلى التباعد والتنافر وقتل أي فرصة للتقارب
ونتائج
التناحر السياسي انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة التي يطلقها كل فريق على الفريق
الآخر ، وكذلك استخدام الكثير من الوسائل غير الأخلاقية في تشويه صورة الآخر ، وكل
يوم يمر في ساحة التناحر السياسي يوسع الهوة بين الفرقاء، وهذا يؤدي بلا شك إلى
تدهور الوطن من الناحية الاقتصادية ، وهذا ما نشاهده فعلياً من خلال البورصة
فعندما يحدث الوفاق والتفاهم والمضي قدما في تأسيس الدولة الديمقراطية نلاحظ
ارتفاع مؤشر البورصة وعندما يحدث العكس من الشقاق والتناحر يهبط المؤشر ، وتجد
الخسائر طريقها إلينا جميعاً ، ولكي نقضي على التناحر السياسي لا بد أن يتخلى كل فريق وكل سياسي عن بعض
رغباته وأحلامه وخاصة أحلامه الشخصية، وطموحاته الفردية ، ولا يرفع من سقف مطالبه
رغبة في تعجيز الآخر، إذا كان هذا الآخر يحاول أن يمد له يداً ،فيجب عليه أن يضع
مصلحة الوطن فوق مصلحته، ومصلحة حزبه أو جماعته ، كما ينبغى أن يفهم كل فريق أنه
وحده لا يستطيع أن يخرج بالوطن من مأزقه ، وأن السفينة يجب أن تحمل الجميع، لا أن
تغرق البعض ـ مهما كانت توجهاتهم ـ وترسو بالبعض فالحقيقة أن السفينة لن ترسو أبداً،إذا
كان ربان السفينة يفكر بهذه الطريقة،فإن من يريد أن يغرقهم قد يغرقونه، ويغرقون كل
من على السفينة .
من هنا
لا بد من البحث عن حل وسط يجمع الجميع ، وأن يتنازل كل فريق عن بعض الأمور من أجل
الفوز بأمور أثمن ، تؤدى إلى تجربة ديمقراطية حقيقية تثمر ما ينبغي أن يكون ، وتؤدى
إلى احترام عامة الشعب لنخبته ، لا أن ينصرف عنها ، لأنه في النهاية لا يهم
المواطن العادي تلك الصراعات بقدر ما يهمه ما يشاهده على أرض الواقع من تحسن في
حالته وفي لقمة عيشه ، أما إصرار كل فريق على ما في جعبته ،فلن ينتهي التناحر ، وسندخل
النفق المظلم الذي لا يستبعد أن يحدث في
داخله أي شيء بداية من التقاتل اللفظي إلى التشابك الدموي ، وقد يتخطى الأمر ذلك ،
وتحدث كارثة الحرب الأهلية بين أبناء الوطن الواحد ، وبدلاً من يكون الاختلاف
وسيلة للإصلاح والتقدم بالوطن وتبادل الأفكار ، يصبح وسيلة للتخلف والسقوط من خلال
التناحر السياسي الذي لو استمر في ظل ظروف الوطن الصعبة ستكون هذه بداية النهاية.
بقلم : ياسر
الششتاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق