جاء الربيع العربي ليثور على زحف خريف المستبدين، الذين حكموا شعوبهم بسياط الديكتاتورية ، لأنهم الذين لم يتعلموا من التاريخ شيئاً ، فإذا نظرنا إلى التاريخ نجد أن نهاية الطغاة من أسوء النهايات ،والأمر فوق طاقة الحصر ، لو كتبنا ما يبوح به لسان التاريخ عن مصارع هؤلاء المستبدين
أسوء حاكم هو الذي لا يتعلم من التاريخ أو من تجاربه الماضيه أو مما حوله من أحداث ، وأشدهم سوءاً من يظن أنه في مأمن من بطش الشعب بما يمتلكه من سطوة عسكرية أو قبضة أمنية ، فيعيث فساداً ناسياً أن طوفان الشعب يمكن أن يغرق كل تصوراته ويتجاوز أبعد ما يظن خياله.
إن الجماهير لا تحتاج إلا إلى الشرارة الأولى ،لينطلق زئيرها ، فيهز العروش ، ويقلب الموازين، وهذا ما حدث في الربيع العربي، فهذا الأسد المأسور ـ وهو الشعب ـ بمجرد أن لاحت له فرصة في الخروج إلى الشارع ، واستيقظ من سباته ، أصبح أسدأ حقيقاً ، وليس قطاً أليفاً كما ظن حاكمه الموهوم ،واسترد ما كان مسلوباً منه، وأصبح هو الملك الفعليّ .
خرج الشعب يطالب بأبسط حقوقه وهي الحرية التي غابت شمسها عنه لسنوات ، فسقط في جليد التخلف والتأخر، وكان ظلام القمع هو اللاعب الوحيد في الساحة السياسية ، والأغرب من هذا أن عملاء القمع حاولوا تزين وجه القمع وتجميله من خلال قانون الطوارئ ، وغيره من القوانين التي تخنق أنفاس الحرية، ولطالما ادعوا أن هذه القوانين من أجل مصلحة الشعب، ومن أجل القضاء على الجريمة ،وليس لكبت الحريات ، والعكس هو الصحيح .
لم يكن خروج الشعوب الثائرة من بلدان الربيع العربي من أجل لقمة العيش وحدها، فلقمة العيش بدون حرية هي لقمة ذل، ولذا تأتي الحرية على رأس المطالب التي خرجت تهتف من أجلها الجموع، ويتوارى ما عداها ، أو يقف خلفها ، فالإنسان يستطيع أن يحتمل جوع البطن ، ولا يحتمل جوع الوجدان إلى نور الكرامة .
فيا ليت حكام الشعوب التي لم يعسكر فيها نسيم الربيع العربي تتعامل بهذا المنطق منطق الحرية الكاملة، وأن تكون الحرية الكاملة هي صاحبة الرقم القياسي فيما يقدمونه من خدمات إلى بلادهم ، فالشعب يستطيع أن يحتمل أي أزمة اقتصادية ويتجاوزها ثم ينساها ،ولكنه لا ينسي ولا يحتمل ما يمس حريته، ويظل في ذاكرته أي خدش يخدشها ،إلى أن يأتي اليوم الموعود ،وتبدأ لحظة الحساب ، ويكون ذبح الحرية على رأس المظالم التي يخرج من أجلها الشعب ثائراً .
بقلم : ياسر الششتاوي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق